الحمد لله (الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) 1 ــ الفرقان أحمده وأشكره جعل القرآن (تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)89-النحل . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كان خلقه القرآن يُحل حلاله ويحرم حرامه ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهة صلوات الله وسلامه عليه و على آ له وصحبه الذين ساروا على نهجه وتمسكوا بهديه فعزّوا وسادوا وملكوا وقادوا – ومن تبع هديه ولزم سنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا أما بعد:
فلقد مَن الله على المؤمنين إذْ بعث فيهم رسولاً منهم( 164) آل عمران – و أنزل عليه خير كتاب لخير أمة أخرجت للناس يهديهم لأقوم سبيل و أهدى طريق ويخرجهم من الظلمات إلى النور، فهو الملاذ عند الفتن و هو المنقذ عند المصائب و المحن فيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا.
هو الفصل ليس بالهزل من ابتغى الهدى في غيره أضله الله . ومن التمس العزة بغيره أذله الله هو حبل الله المتين و هو الصراط المستقيم . لا تلتبس به الألسنة و لا يخلق عن كثرة الرد و لا يشبع منه العلماء . تكفل الله لمن قرأه وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة و في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما :ـــ (ومن تركه وهجره و أعرض عنه خسر الدنيا و الآخرة وذلك هو الخسران المبين) وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به؛ كتاب الله ) رواه مسلم .
ومن هنا كان الاهتمام الأسمى و الأمثل بكتاب الله ؛ كتابة وتدوينا و قراءة و تجويداً و فهما وتفسيرا و من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث في أمة لا تعرف القراءة و الكتابة إلا نزراً يسيراً فشجع صلوات الله و سلامه عليه أصحابه رضوان الله عليهم على تعلم القراءة و الكتابة وسلك في ذلك وسائل كثيرة فراجت الكتابة في عصره صلى الله عليه وسلم حتى بلغ كُتاَّب الوحي أكثر من أربعين كاتبا وزادت الكتابة انتشارا مع توسع الفتوح و دخول أمم جديدة في الإسلام وكَتَبَ الصحابة رضوان الله عليهم الوحي بالخط السائد في الحجاز و الذي كتبت به صحف أبي بكر ومصاحف عثمان رضي الله عنهما ومع انتشار الفتوح ودخول بلاد جديدة في الإسلام تحسن الخط وكان الغالب في كتابة المصاحف الخط الكوفي حتى القرن الخامس الهجري ثم كتبت بخط الثلث حتى القرن التاسع الهجري ثم كانت الكتابة بخط النسخ .
ثم توالت طبعات المصحف الشريف في مصر وغيرها من أقطار العالم الاسلامي .ـــ وكما شرف الله المملكة العربية السعودية بخدمة الحرم المكي الشريف و الحرم النبوي الشريف فقد خصها بدور رائد في خدمة الإسلام و المسلمين و العناية بالقرآن الكريم بمنهج متميز جديرٍ بالإعجاب و التقدير لما امتاز به من أسس واضحة ومظاهر متعددة صادقة و من مظاهره أن جُعِل القرآن الكريم أساسا لشؤون الحكم ومناحي الحياة وتوجيه العلوم و المعارف في جميع مراحل التعليم على وجهة إسلامية راسخة وعقيدة إيمانية صافية ومن أروع مظاهر عناية المملكة بالقرآن الكريم إقامة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة و الذي يُعد أكبر صرح لطباعة القرآن الكريم قاطبة بل ويعد من مفاخر المملكة و مآثرها الجليلة ومن توفيق الله ويمن الطالع أن سمي المصحف المطبوع فيه (مصحف المدينة النبوية) ومما تُسرُّ له النفس أنَّ اهتمام المجمع لم يتوقف على طباعة المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي وفق أعلى مواصفات الدقة و الجودة و الإتقان بل تخطاه إلى تسجيل تلاوة القرآن الكريم إلى أهم لغات العالم و أوسعها انتشارا وطباعتها في طبعات متميزة في الجودة وحسن الإخراج و إجراء البحوث و الدراسات المتعلقة بالقران الكريم كما تجلت عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم في مظاهر أخرى عديدة ففي مجال التعليم قامت الأسس التي بني عليها على الإيمان بالله ربا و بالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا والتصور الإسلامي الكامل للكون والحياة – وبسبب الجهد المتواصَل و العمل الدؤوب.
أصبح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف رافد خير وركنا ركينا يمد طلاب القران الكريم ورواد العلم على مختلف مستوياتهم ولغاتهم بالجوهرة الثمينة ( مصحف المدينة ) في صوره و أشكاله و أحجامه المتعددة – وهذا الأمر ليس بالمستغرب من قيادة المملكة العربية السعودية التي قامت بإعلاء كلمة التوحيد ورفعت رايته خفاقة عالية وعُرفت – ولله الحمد – بنبل المقصد وعلو الهمة وسمو الأهداف كذلك حرصها على كل ما من شأنه خدمة الإسلام والمسلمين وذلك منذ عهد مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود
والحمد لله لقد أصبح مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف من أوضح الصور المشرفة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لخدمة الإسلام والمسلمين في مختلف أرجاء العالم وسيظل بفضل الله ثم بفضل ما يُقدّم له من اهتمام ودعم صرحاً عامراً بكتاب الله تشع منه أنوار الإيمان لتعم ديار المسلمين في شتى أقطار المعمورة على هيئات ونسخ مختلفة من كتاب الله ونشرات وكتيبات من السنة المطهرة تحمل أريج النبوة لكل من يهفو قلبه لذكر الله.
ومن خلال العناية الفائقة والبالغة بهذا الصرح المبارك من أولي الأمر حفظهم الله الذي يُرجى به عظيم النفع في خدمة القران الكريم ومستقبل الإسلام والمسلمين حيث سيفيض عطاؤه أمام ازدياد حاجة العالم الإسلامي للمصحف الشريف وترجمة معانيه إلى مختلف اللغات التي يتحدثون بها والعناية بمختلف علومه وكذلك خدمة السنة النبوية المطهرة سيفيض هذا العطاء بجمع وحفظ الكتب المخطوطة والمطبوعة والوثائق والمعلومات المتعلقة بالقران الكريم وعلومه ورد الأباطيل ودفع الشبهات التي تثار عن القران الكريم ونتيجة ً لهذا الاهتمام الفاعل والمخلص سيسهم المجمع وعلى مستوى العالمِ الإسلامي – بعون الله وفضله – في تحقيق المزيد من الأمن الفكري والاستقامة على الهدي النبوي في المجتمعات الإسلامية وذلك لما للقران الكريم من أثر عظيم في تحقيق الأمن النفسي و الحياة المستقرة المطمئنة ( الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .
ومع خالص الشكر لجهود وزارة الشؤون الإسلامية في الاهتمام والعناية بهذا الصرح العظيم وافرُ الدعاء لأولي الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود .ـــ على الرعاية البالغة بكتاب الله وسنة رسوله سائلاً الله أن يجعل ذلك في موازين أعمالهم .ــ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آلة وصبحه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معالي الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن بن عبدالعزيز السديس
*الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي
وإمام وخطيب المسجدالحرام