لقد تكفّل الله تعالى بحفظ كتابه الكريم بألفاظه ومعانيه إلى قيام الساعة، لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) سورة الحجر، الآية 9. وقد حاول أعداء الأمة منذ القديم أن ينالوا من هذا الكتاب العظيم، بالتحريف أحيانًا وإثارة الشبهات والشكوك أحيانًا أخرى، منذ عصر النبوة وحتى العصور المتأخرة عبر الفرق الضالة ثم حملات المستشرقين، وإلى العصر الحالي عبر وسائل الإعلام المختلفة، ولكن بفضل الله تعالى ورعايته، ثم بجهود أهل العلم وبعض ولاة أمور المسلمين، باءت تلك محاولاتهم بالفشل ودحضت شبهاتهم بأرضها.
ويمكن الإشارة في هذا المقام إلى جانب واحد من تلك الجهود وكان له أثر كبير في حفظ كتاب الله تعالى ونشره في أرجاء المعمورة في العصر الحالي، وهو إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية، وطباعة ترجمة القرآن الكريم للعديد من اللغات لغير الناطقين بالعربية من المسلمين في العالم، ويعدّ المجمع حصنًا منيعًا للحفاظ على كتاب الله تعالى نشره في العالم.
أثر المجمع في تلبية حاجة الأمة:
ولهذا المجمع أثر كبير في تلبية حاجة المسلمين في كل مكان، يتجلى ذلك في صور كثيرة، منها:
1 – طباعة القرآن الكريم بشكل مستمر، حيث يطبع المجمع سنويًا ملايين النسخ من المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي، ويتم توزيعها على المسلمين من داخل المملكة وخارجها في معظم أنحاء العالم، حتى أصبحت طبعة المجمع للمصحف الشريف هي المعتمدة لدى غالبية المسلمين، وفي ذلك بشارة خير للأمة في حاضرها ومستقبلها، وهو ما يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر” أخرجه أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي وغيرهم.
2 – أنه يقوم بترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره باللغة العربية وباللغات الأخرى التي يتحدث بها المسلمون في العالم، فقد تم طباعة تراجم معاني القرآن الكريم لخمسين لغة لغير الناطقين بالعربية، وهذا له أثر كبير في نشر القرآن وفهمه وتدبره والعمل به لدى المسلمين في كل مكان، إضافة إلى أن هذا العمل يعدّ من الأعمال الكبيرة التي تساهم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، فقد اعتنق كثيرون الإسلام بسبب اطلاعهم وقراءتهم لتراجم معاني القرآن وتفسيره، قال الله تعالى: (الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) سورة إبراهيم، الآية 1.
3 – كما يعتني بالسنة والسيرة النبوية، ونشر سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وشمائله وسيرته العطرة، فقد قام المجمع بطباعة عدد من كتب السنة النبوية وترجمتها إلى اللغات الأجنبية في أرجاء المعمورة، وكان للمجمع دور كبير في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان سيرته ودفع الشبهات عنه أثناء حملة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم في السنوات الماضية من خلال إصدارات خاصة بهذا الشأن وترجمة جزء منها إلى لغات عالمية، وهو جهد كبير ومشكور حيث ساهم كثيرًا في تعريف العالم بالنبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائله.
4 – كما أن من بين أهداف المجمع العناية بالبحوث والدراسات الإسلامية، فهو يعدّ من أكبر مراكز البحث العالمية، في العلوم الإسلامية المختلفة، وخاصة علوم القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى اللغات الأجنبية، إضافة إلى الدراسات الخاصة في دفع الشبهات والأباطيل التي يثيرها أعداء الأمة حول القرآن والوحي والإسلام بلغات مختلفة.
ه – تحقق الأجر الكبير على طباعة كتاب الله تعالى، الذي يقرؤه الملايين من المسلمين في العالم يوميًا، بفضل الله تعالى ثم بفضل هذا المجمع المبارك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم من تعلم القرآن وعلّمه” أخرجه البخاري، وقال: “من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف” أخرجه الترمذي.
هذا، وإن المجمع يطبع سنويًا ملايين النسخ من المصحف الشريف وتفاسيره وتراجم معانيه والبحوث والكتب العلمية المتعلقة بالكتاب والسنة، ويتم توزيعها في كل مكان بالعالم، عن طريق مراكز الدعوة للجاليات والمراكز الإسلامية في الخارج والملحقيات الثقافية، إضافة إلى العدد الأكبر الذي يتم توزيعه على الحجاج والمعتمرين القادمين من كل فجٍّ عميق، وفي هذا من الخير الذي تنعم به البلاد نتيجة هذا العمل الجبار بنشر هذا الكتاب العظيم.
حقق الله الآمال، ونفع بالجهود، وجزى الله خيرًا قادة هذه البلاد وولاة أمرها على العناية بكتاب الله تعالى وزادهم حرصًا، ورفع ذكرهم، وحفظهم وسددهم، إنه قريب مجيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
*عضو مجلس الشورى