الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٩)الحجر. وقد تكفل الله عز وجل بحفظه ـ فهيأ الأسباب لذلك من حين نزوله فقد كتب كله في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فكان محفوظاً في الصدور وفي السطور. وكان الصحابة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم حريصون على المحافظة على كتاب الله في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ يدل لذلك ما رواه البخاري في صحيحه ح رقم 4992 في قصة هشام بن حكيم مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وهكذا هيأ الله الأسباب لحفظ كتابه الذي هو آخر الكتب السماوية والذي لم يفرط الله فيه من شيء تحتاجه البشرية في دينها ودنياها إلى قيام الساعة ـ مع حفظ سنة المصطفى الموضحة والمبنية لكتاب الله تعالى فقد ذكر عليه الصلاة والسلام أن العصمة لأمته من الضلال هو التمسك بهما فقال : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي) .
وقد تتابع علماء المسلمين وقادتهم في جميع العصور الإسلامية المتتالية للقيام بهذه المهمة العظيمة وهي الحرص على المحافظة على كتاب الله.
إلى أن جاء دور حكومة المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين مهبط ومنبع الرسالة.
فهي دولة التوحيد والدعوة ـ والله قد وعد في كتابه وهو لا يخلف الميعاد من آمن بالله وعمل الصالحات بالتمكين والاستخلاف في الأرض.
فرفعت هذه الدولة راية التوحيد ودعت إلى عبادة الله وحده.
وقد عرفت بنبل مقصدها وعلو همتها وسمو أهدافها وحرصها على كل ما من شأنه خدمة الإسلام والمسلمين منذ عهد مؤسسها رحمه الله الملك عبدالعزيز آل سعود.
فمنذ أن مكنها الله في أرض الحرمين الشريفين وولاءها أمر بيته العتيق ومهوى أفئدة المسلمين ومهبط الوحي ومهد الرسالة الخاتمة، أدركت عظم المسؤولية وان لا عزة للمسلمين إلا بتحكيم شرع الله.
وأن الله لا يمكن في الأرض إلا من أقام دينه وحكّم شرعه ولهذا كان دستورها القرآن الكريم. فحكمت شرع الله في جميع شؤونها فصارت مضرب المثل في الأمن والاستقرار . ورغد العيش.
والناس يتخطفون من حولها ، كما قال تعالى:( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) [العنكبوت: 67].
ومن هنا جعلت هذه الدولة أولويات مهماتها خدمة كتاب الله الكريم الذي هو كتاب هذه الأمة الواحدة ومنهجها القويم والذي لا عزة للأمة الإسلامية ولا تمكين لها إلا بالمحافظة عليه وتحكيمه في جميع شؤون حياتها.
(إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء].
ولهذا أنشأت المجمع مجمع الملك فهد والذي أفتتح في صفر عام 1405هـ .
فقال الملك فهد ـ رحمه الله ـ عند افتتاحه: لقد كنت قبل سنتين في هذا المكان لوضع حجر الأساس لهذا المشروع العظيم، وفي هذه المدينة التي كانت أعظم مدينة فرح أهلها بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا خير عون له في شدائد الأمور وانطلقت منها الدعوة ، دعوة الخير والبركة للعالم أجمع.
ويعدُّ إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة من أجلّ صُوَرِ العناية بالقرآن الكريم حفظاً وطباعة وتوزيعاً على المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة وينظر المسلمون إلى المجمع على أنه من أبرز الصور المشرّفة الدالة على تمسك المملكة العربية السعودية بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم اعتقاداً ومنهاجاً وقولاً وتطبيقاً.
لقد وفـق الله المملكة العربية السعودية لإقامة هذا المشروع لخدمة كتاب الله الكريم، وهو يحظى بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي سلمان بن عبدالعزيز حفظهما الله .
وبتوجيه من معالي وزير الشؤون الإسلامية ومتابعته فقد قام المجمع بطباعة المصحف الشريف وتوزيعه بمختلف الإصدارات والروايات على المسلمين في شتى أرجاء المعمورة وبترجمة معانيه إلى كثير من اللغات العالمية، وطباعة كثير من كتب السنة والسيرة النبوية.
وفي سياق عناية المملكة العربية السعودية.
بكتاب الله وبتوجيه معالي وزير الشؤون الإسلامية ومتابعته فقد أقام مجمع الملك فهد عدة ندوات علمية حظيت باهتمام مختلف الأوساط المعنية بموضوعاتها وصدر عنها أكثر من (250) بحثاً تم تحكيمها جميعاً وكانت عناوين الندوات كالتالي:
-
ندوة (عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه) عام 1421هـ.
-
ندوة (ترجمة معاني القرآن الكريم تقويم للماضي وتخطيط للمستقبل) عام 1423هـ.
-
ندوة (عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية) عام 1425هـ.
-
ندوة (القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية) عام 1427هـ.
-
ندوة (القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة “تقنية المعلومات” )عام 1430هـ.
وقد اشترك في إعداد هذه البحوث عدد من المتخصصين من داخل المملكة وخارجها.
وتم تحكيمها . وأصدرت التوصيات المناسبة لما تضمنته.
-
كما عقد المجمع في عام 1432هـ ( ملتقى مجمع الملك فهد لأشهر خطاطي المصحف الشريف في العالم) .
والمجمع الآن يعد لندوة تحت عنوان: (طباعة القرآن الكريم ونشره بين الواقع والمأمول) وهي الندوة السابعة والتي ستعقد إن شاء الله في الفترة من 3 ـ 5صفر 1436هـ الموافق 25 ـ 27 نوفمبر 2014م.
وقد وصلت بحوث كثيرة من عدد من المختصين في داخل المملكة وخارجها.
وتم قبول (58) بحثاً بعد التحكيم وقدمت للطباعة وتم طبعها في ستة مجلدات طباعة فاخرة كما هو الحال في مطبوعات المجمع.
فهذه فكرة مختصرة عما يقوم به مجمع الملك فهد لخدمة كتاب الله وتوزيعه في العالم الإسلامي.
ونسأل الله التوفيق والعمل بما يرضيه عنا.
والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ. د. علي بن محمد ناصر فقيهي
-
* رئيس اللجنة العلمية للندوة